فصل: توزيع الماء الأرضي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من الصفات الطبيعية المميزة للماء:

من الصفات الطبيعية التي خص الله-تعالى- بها الماء والتي جعل لها أهمية قصوي للحياة مايلي:
(1) البناء الجزيئي ذو القطبية المزدوجة: يتكون جزيء الماء من ذرتي هيدروجين تحملان شحنة كهربية موجبة وترتبطان بذرة أكسجين تحمل شحنة كهربية سالبة بواسطة رابطتين تساهميتين تشكلان زاوية مقدارها 105 درجات وهذا البناء الجزيئي المميز جعل للماء من الصفات الطبيعية والكيميائية مايميزه عن غيره من السوائل والمركبات الهيدروجينية.
(2) درجتا التجمد والغليان: يتجمد الماء عند درجة 4 مئوية، ويغلي عند درجة مائة مئوية، ولهاتين الخاصيتين أهمية قصوي لاستمرارية الحياة إذ يبقي الماء سائلا في درجات حرارة أجساد كل الكائنات الحية لتساعد على إتمام جميع الأنشطة الحيوية ومنها التغذية، وتمثيل الغذاء ونقله إلى الخلايا والأنسجة المختلفة وإتمام عملية الأكسدة والاختزال وإخراج الفضلات والنمو والتكاثر وغيرها.
(3) الحرارة النوعية: ويقصد بها كمية الحرارة اللازمة لرفع درجة حرارة جرام واحد من الماء عند درجة 4 مئوية بمقدار درجة مئوية واحدة. وهي حرارة نوعية مرتفعة ممايمكن جسم الانسان وأجساد غيره من الكائنات الحية من مقاومة التغيرات الجوية المختلفة بدرجة كبيرة.
(4) الحرارة الكامنة: والحرارة الكامنة لتبخر الماء هي الحرارة اللازمة لتبخير جرام واحد من الماء دون أن تتغير درجة حرارته، وتبلغ 540 سعرا حراريا، وكذلك فإن الحرارة الكامنة لانصهار الماء المتجمد الجليد أي: كمية الحرارة اللازمة لصهر جرام واحد منه دون أن تتغير درجة حرارته تبلغ 80 سعرا حراريا.
وارتفاع قيم الحرارة الكامنة للماء يكسبه مقاومة كبيرة في التحول من الحالة الصلبة إلى السائلة إلى الغازية، وهذه الخاصية تجعل من الماء واحدا من أفضل السوائل المستخدمة في إطفاء الحرائق إذ يستهلك كمية كبيرة من الحرارة. من الوسط الذي يحترق قبل أن ترتفع درجة حرارته، مما يعين على خفض درجة الحرارة وإلى إطفاء الحرائق.
(5) اللزوجة والتوتر السطحي: وتعرف لزوجة السائل بمقاومته للحركة، أما التوتر السطحي فهو خاصية من خصائص السوائل الساكنة، وفيه يكون السطح الحر للسائل مشدودا ليأخذ أقل مساحة ممكنة، ويتميز الماء بلزوجة عالية نسبيا بسبب انجذاب جزيئاته إلى بعض بفعل الرابطة الهيدروجينية وتزيد هذه اللزوجة بانخفاض درجة حرارة الماء لزيادة قرب جزيئات الماء من بعضها البعض حتى درجة 4 مئوية حين تبدأ في التباعد، وتتسبب الرابطة الهيدروجينية في زيادة التوتر السطحي للماء مقارنة بالسوائل الشبيهة.
وهاتان الخاصيتان تساعدان على مزيد من التماسك بين مواد الخلية الحية، وعلي إكساب الخلايا شكلها الخاص وتساعدان على امتصاص العصارة الغذائية بواسطة الشعيرات الجذرية وعلي رفعها مقاومة الجاذبية الأرضية إلى الفروع والأوراق وحتي القمم النامية في أعلي النبات بارتفاع يفوق الارتفاع الذي يحدثه الضغط الجوي حوالي عشرة أمتار، ويعين على ذلك فقدان الماء من الأوراق بواسطة عمليات النتح والتبخر حيث يصل الضغط المائي أضعاف الضغط الجوي وان كان ذلك يختلف حسب نوع النبات وظروفه البيئية وذلك لكي يستمر ارتفاع العصارة الغذائية من الشعيرات الجذرية عبر السيقان والفروع إلى الأوراق والزهور والثمار.
وتساعد لزوجة الماء وتوتره السطحي أيضا على إبطاء عملية فقدان الماء من الأوراق عبر ثغورها، ومن أجساد الانسان والحيوان عبر مسام الجلد، وإذا خرج الماء الزائد يبقي على سطح كل من الأوراق والجلد برهة حيث يتبخر فيبردهما ويكسبهما شيئا من الرطوبة في الجو الحار.
وتساعد خاصيتا اللزوجة والتوتر السطحي المرتفعتان نسبيا للماء في حماية السفن والبواخر المحملة بالأحمال الثقيلة من الغوص في الأعماق وذلك بدفعها إلى أعلي وزيادة قدرتها على الطفو.
(6) قلة كثافة الماء عند تجمده: من الثابت علميا أن قوة الرابطة الهيدروجينية تتلاشي بين جزيئات الماء بارتفاع درجة حرارته مما يجعل جزيئات الماء منفردة في حالة التبخر، ومزدوجة أو ثلاثية في حالة السيولة حسب درجة الحرارة، وفي حالة رباعية في حالة الجليد الرخو Snow وفي حالة ثمانية في حالة الجليد الصلب Ice وفي الحالة الأخيرة يزداد الحيز المكاني الذي تشغله ثماني جزيئات مما يقلل من كثافة الجليد وهي خاصية ينفرد بها الماء لأنها لازمة لحياة الكائنات الحية في المناطق المتجمدة.
من الصفات الكيميائية المميزة للماء نظرا لتركيبه الجزيئي الفريد فإن الماء يتميز بعدد من الصفات الكيميائية الفريدة، ومن الصفات الكيميائية المميزة التي خص الله تعالى بها الماء مايلي:
(1) مقاومة جزيء الماء للتحلل إلى ذراته: فنظرا للرابطة الهيدروجينية القوية لجزيء الماء، ولوجود الذرات في داخل الجزيء بشكل مائل فإن هذا الجزيء يصعب تحلله إلى ذراته إلا بنسب ضئيلة 11% وفي درجات حرارة مرتفعة 2700 درجة مئوية، وهذه الخاصية تعين المحاليل الحيوية المختلفة على البقاء في أجساد الكائنات الحية.
(2) قدرة الماء الفائقة على إذابة العديد من المواد الصلبة والسائلة والغازية: إن البناء الجزيئي للماء بميل ذراته، وثنائية قطبيته، وروابطه الهيدروجينية جعلت من الماء أعظم مذيب يعرفه الانسان خاصة بالنسبة للمواد المؤينة من مثل الأملاح والقواعد والأحماض ولذلك أطلق عليه اسم المذيب العالمي.
ويذيب الماء ثاني أكسيد الكربون مكونا حمض الكربون بينما يذوب الأكسجين في الماء متخللا جزيئاته، وفي الحالة الأولي تسهل عملية نقل ثاني أكسيد الكربون للاستفادة به في عملية التمثيل الضوئي التي تقوم حياة النباتات عليها، كما تسهل عملية التخلص منه في كل من الانسان والحيوان والنبات، وفي الحالة الثانية يعتبر ذوبان الأكسجين في الماء من ضرورات الحياة للاستفادة به في عمليات التنفس بالنسبة للكائنات التي تعيش في الماء.
(3) قدرة الماء على الأكسدة والاختزال: يدخل الماء في العديد من عمليات الأكسدة والاختزال، وفي الأولي تفقد العناصر إليكترونا أو أكثر، بينما تكسب ذلك في الثانية، وهي عمليات أساسية في تفتيت الصخور، وتكوين التربة وتركيز الخامات، وإعداد الغذاء لكل من النبات والحيوان والإنسان، وفي أكسدة الدم واختزاله، والدم يتكون أساسا من الماء.
(4) قدرة الماء الفائقة على التفاعل مع المركبات: يتحد الماء مع أكاسيد الفلزات مكونا إيدروكسيداتها ومطلقا الحرارة، ومع أكاسيد اللافلزات مكونا أحماضا، وهي عمليات مهمة في تفتيت صخور الأرض، وتكوين التربة، وتكوين العديد من الثروات الأرضية وتركيزها.
(5) قدرة الماء المحدودة على التأين: يتأين الماء بصعوبة إلى أيون الهيدروكسيل السالب، وأيون الهيدروجين الموجب، ويساعد هذا التأين على إتمام العديد من العمليات الكيمائية اللازمة لاستمرارية الحياة.
(6) قدرة الماء على تصديع التربة وشقها:
تتكون التربة أساسا من المعادن الصلصالية، وهذه تتكون من صفائح رقيقة جدا أعطاها الله-تعالى- القدرة على التشبع بالماء التميؤ فتتمدد إلى عشرات مرات أطوالها، ويؤدي ذلك إلى تباعد أسطحها عن بعضها البعض، فتهتز وتربو إلى أعلى، وترق رقة شديدة حتى تنشق لتفسح طريقا سهلا للسويقة الطرية المنبثقة من داخل البذرة النابتة، ولولا هذه الخاصية ما أنبتت الأرض، ولا كانت صالحة للعمران وتتمدد صفائح الصلصال بالتميؤ لحملها شحنات كهربية سالبة على أسطحها، تمكنها من الاتحاد مع الشحنات الموجبة على جزيء الماء مما يؤدي إلى جذب تلك الصفائح متباعدة عن بعضها البعض. والعكس من ذلك يحدث عند الجفاف حيث تتلاشي الروابط الكهربية بين شحنات صفائح الصلصال وشحنات جزيء الماء عند جفافه فتتشقق الأرض لشقوق سداسية أو قريبة من السداسية مما يعين على شيء من تهوية التربة.

.توزيع الماء الأرضي:

يعتبر كوكب الأرض أغني كواكب المجموعة الشمسية بالماء ولذا يسميه علماء الأرض باسم الكوكب المائي أو الكوكب الأزرق، وتقدر كمية الماء الأرضي بحوالي 1337 مليون كيلو متر مكعب، ويوجد في الحالات السائلة والغازية والصلبة موزعا في البحار والمحيطات، والبحيرات والأنهار والجداول، وغيرها من المجاري المائية، كما يوجد على هيئة جليد فوق القطبين وعلي قمم الجبال، وعلي هيئة مخزون مائي تحت سطح الأرض، كما يوجد على هيئة قدر من الرطوبة في كل من التربة والغلاف الغازي للأرض، ويغطي الماء السائل أكثر قليلا من 71% من مساحة الأرض، بينما يغطي الجليد نحو 9% من مساحتها ويتعذر في الطبيعة وجود ماء نقي تماما، غير أن ماء الأمطار والثلوج المتساقطة تعد من أنقي حالات الماء الطبيعي، ولكنه ما ان يصل إلى سطح الأرض حتى يبدأ في إذابة جزء من املاح صخورها ويتوزع الماء الأرضي على النحو التالي:
دورة الماء حول الأرض ثبت أخيرا أن كل الماء الموجود على سطح الأرض قد اندفع إلى سطحها أصلا من داخل الأرض عبر ثورات البراكين، وقد سبق القرآن الكريم بثلاثة عشر قرنا على الأقل بالإشارة إلى تلك الحقيقة التي يصفها الحق-تبارك وتعالى- في محكم كتابه بقوله عز من قائل: {والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها} [النازعات:30- 31].
وعندما بدأ هذا البخار في التصاعد من فوهات البراكين إلى الغلاف الغازي للأرض وجد أن الله-تعالى- قد هيأ له سطحا باردا يتكثف عليه في الأجزاء العليا من نطاق التغيرات الجوية نطاق الرجع والذي يتميز بتبرده مع الارتفاع حتى تصل درجة حرارته إلى ستين درجة مئوية تحت الصفر فوق خط الاستواء، وذلك اساسا نتيجة للبعد عن سطح الأرض الذي يمتص حرارة الشمس ويعيد إشعاعها إلى غلافها الغازي.
وعند انخفاض درجة حرارة الهواء المحمل ببخار الماء مع الارتفاع فوق مستوي سطح البحر فان رطوبته النسبية ترتفع نظرا لانخفاض كثافته وبالتالي انخفاض ضغطه، وعندما تبلغ رطوبته النسبية 100% فإن ضغطه يساوي ضغط بخار الماء، وتسمي درجة الحرارة تلك باسم نقطة الندي DewPoint أو درجة حرارة التشبع ببخار الماء.
وانخفاض درجة حرارة الهواء المشبع ببخار الماء بارتفاعه في نطاق التغيرات الجوية إلى مادون نقطة الندي يؤدي مباشرة إلى تكثف قطرات الماء منه وانفصالها عنه فتتكون السحب وهي مجموعة من قطيرات الماء المتناهية الضآلة في الحجم نحو عشرة ميكرون في القطر، وتبدأ في التكون ابتداء من 2 كيلو متر فوق مستوي سطح البحر إلى نحو 8 كيلو مترات فوق مستوي سطح البحر او أكثر من ذلك.
والهواء المحمل ببخار الماء يتبرد بارتفاعه إلى المستويات العليا من نطاق التغيرات الجوية 7 إلى 16 كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر او باصطدامه بقمم الجبال الشاهقة، أو بالتقائه مع موجة هوائية باردة.
والهواء الجاف يتبرد بمعدل عشر درجات مئوية لكل كيلو متر ارتفاعا فوق مستوي سطح البحر، ويتناقص هذا المعدل إلى ست درجات مئوية مع كل كيلو متر ارتفاع في حالة الهواء الرطب، نظرا لتأثير الحرارة الكافية على تبخر جزء من الماء المحمول مع الهواء الرطب هذا بالاضافة إلى ان ارتفاع الهواء إلى اعلي يؤدي إلى تمدده لوجوده تحت ضغط منخفض، ويؤدي هذا التمدد إلى مزيد من الانخفاض في درجة الحرارة تبعا لقوانين تمدد الغازات.
بالاضافة إلى انخفاض درجة حرارة الهواء المشبع ببخار الماء إلى مادون درجة الندي فإن سقوط ماء المطر يتطلب تكون نويات من البرد الثلج او وجود بعض هباءات من الغبار او الاملاح القابلة للذوبان في الماء وهذه تسهم في مزيد من تجميع قطيرات الماء إلى بعضها البعض وبالتالي تؤدي إلى هطول الأمطار لعجز الهواء عن حمل القطيرات الكبيرة الحجم نسبيا من الماء من عشري ملليمتر إلى نصف ملليمتر في القطر فتبدأ بالتساقط على الأرض بفعل الجاذبية.
وبسقوط الماء على سطح الأرض، وعودته إليها ليجري على سطحها سيولا جارفة، تفتت الصخور، وتشق الفجاج والسبل، وتكون الأودية ومجاري الأنهار والجداول، وتكون التربة، وتركز عددا من ثروات الأرض، ثم تفيض إلى المنخفضات مكونة البحيرات، والبحار والمحيطات، كما يتجمد جزء من هذا الماء على هيئة طبقات الجليد فوق قطبي الأرض، وفي قمم الجبال العالية، ويتسرب بعض هذا الماء كذلك غير ظاهر منكشف الطبقات المسامية والمنفذة إلى تحت سطح الأرض، على هيئة عدد من التجمعات المائية المختزنة في صخور القشرة الأرضية، ويبقي بعضه عالقا بالتربة على هيئة رطوبة أو بالغلاف الغازي للأرض على هيئة بخار الماء.
ومن هنا بدأت دورة الماء حول الأرض في ثبات واستقرار يشهدان لله الخالق بطلاقة القدرة، وعظيم الصنعة، وإتقان الخلق، فبفعل حرارة الشمس يتبخر سنويا 380.000 كيلو متر مكعب من الماء من الأرض إلى الجزء السفلي من غلافها الغازي، منها 320.000 كيلو متر مكعب يتبخر من أسطح البحار والمحيطات، ويتبخر الباقي 60.000 كيلو متر مكعب من أسطح اليابسة من الأنهار وغيرها من المجاري المائية، ومن البحيرات، ومن النتح والبخر من أسطح النباتات، وتنفس كل من الانسان والحيوان، والبخر من الخزانات المائية تحت سطح الأرض، ومن رطوبة التربة، وهذا البخار المائي تحمله الرياح وترفعه إلى الأجزاء العليا من نطاق التغيرات الجوية 7- 16 كم فوق مستوي سطح البحر حيث يتكثف مابه من بخار الماء ويعود مرة أخرى إلى الأرض مطرا، أو ثلجا، أو بردا، أو ضبابا أو ندي، ليعاود الكرة مرة أخرى ليتم دورة الماء حول الأرض.
ومن سمات أحكام تلك الدورة أن مجموع كمية المطر النازلة على أسطح البحار والمحيطات سنويا 284.000 كيلو متر مكعب يقل عما يتبخر منها بحوالي 36.000 كم 3، ومجموع كمية المطر الساقطة على اليابسة سنويا 96.000 كم 3 تزيد بنفس الكمية 36.000 كم 3، عن مجموع كمية البخر من سطح اليابسة 60.000 كم 3 وهذه الزيادة تفيض إلى البحار والمحيطات حتى يبقي سطح الماء بها ثابتا في الفترة الزمنية الواحدة، ولولا دورة الماء حول الأرض لفسد كل ماء الأرض، ولتعرض كوكبنا لحرارة قاتلة بالنهار، ولبرودة مجمدة بالليل.